![]() ثم زرنا ديوبند ولكنو د. عائض القرني في ختام زيارتي للهند أنا وأصحابي المشايخ توجهنا إلى جامعة دار العلوم بديوبند وهي جامعة إسلامية عريقة جداً، بل هي أشهر جامعة في القارة الهندية، وما من جامعة في الهند أو باكستان أو مسجد أو معهد إلا وفيه خريج درس في تلك الجامعة، فاستقبلنا علماؤها الأجلاء بتواضع وأريحيّة، واجتمعنا بالأساتذة في كل التخصصات، فوجدنا العلم واللطف والزهد، ولله ما أعظم هذا الدين جعل أتباعه يتفانون في نصرته من مفسر ومحدّث وفقيه ومؤرخ وأديب وكاتب وطبيب ومهندس، وهذه الجامعة مدينة مستقلة بكلياتها وأسواقها، ومساكن طلابها وقد حضرنا صلاة الجمعة، وأُسندت لي الخطبة، فكان الحديث عن واجبنا نحو رسالة الإسلام ووجوب توحيد المسلمين وجمع كلمتهم ونبذ الفرقة والدعوة للوسطية وشرح قول المولى عز وجل: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)، ثم عقّب مشايخهم بالترحاب وأثنوا على العرب الأوائل الذين حملوا النور للعالم ووزّعوا الهداية على البشرية، ثم أقمنا في سكنهم يوماً وليلة في مدارسات علمية وحوار نافع مفيد وجلسات أخوية، ثم امتطينا الطائرة إلى مدينة لكنو حيث ندوة العلماء التي أسسها سماحة الشيخ العلامة الأديب الكبير السيد أبو الحسن الندوي، فوجدنا هذه الجامعة جمعت بين الأصالة والمعاصرة فرحّبوا بنا وكانت التحيّة منا الإشادة بتاريخ أبي الحسن الندوي بذكر كتبه ومآثره، وقام خطباؤهم فكان بعضهم أفصح من كثير من أبناء العربية في بلاد العرب، وكان حديثهم عن الاعتزاز بالإسلام والتّشرف بحمل الرسالة الإسلامية للعالم والدعوة للتجديد، والذي أذهلني في الهند هذه المدارس الفقهية والمشارب المذهبيّة والجماعات الإسلامية تحت مظلة الإسلام من أهل الحديث ومن السلفيين والأحناف والمالكية والشوافع والتبليغ والإخوان والجماعة الإسلامية وجماعات أخرى، كلهم يعمل للإسلام ويتفانى في خدمة الدين، والعجيب في الهند أننا نسبح في قارة مترامية الأطراف وهي تسابق الزمن في التمدن والحضارة، وبها طرق تشقها من الشرق للغرب ومن الشمال إلى الجنوب بالتوازي، فطريق معبّد للسيارات وطريق للقطار وطريق ثالث للخدمات من نفط وغاز وكهرباء ونحوه، والهدوء في الهند مستتب وأصبح هناك مصالحة بين فئات الشعب الهندي، والهند مضرب المثل حتى في العالم الغربي بالديمقراطية والتناول السلمي للسلطة، وهي من الدول الرائدة بالكمبيوتر ومشتقاته، والهند تسعى حثيثة لتكون في مصاف الدول الخمس الكبرى؛ فعندها كل مقومات الرقي والتّمدن، ولا يظن أحد إذا شاهد العمالة الهندية عندنا أن الهند أمة فقيرة متخلّفة، بل هم أهل تاريخ وحضارة ومسيرة ضاربة في عمق الزمن، وعندهم أدمغة لا تسافر إلينا منهمكة في المصانع والمعامل، ويشرّفنا نحن المسلمين أن مكتشف القنبلة الذريّة هو مسلم وهو الدكتور البروفسور أبو الكلام الذي كافأه الشعب الهندي بأن جعلوه رئيساً للدولة قبل سنوات، وقد انتهت مدة رئاسته، والهند مهرجان كبير متنوع الثقافات متعدد الأعراق غني بالموارد والعلوم والفنون، والطبيعة هناك ساحرة آسرة، فبينما تمشي بجانب نهر مطّرد يفاجئك جبل شامخ شاهق، ثم تستقبلك صحراء جرداء مد البصر، ثم تعود إلى مدرجات خضراء، ثم تهبط إلى أودية وغابات، فسبحان الخالق المبدع المصور: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)، والأمة الهندية كالذّر يمشي على الأرض وكالنمل يزحف على البسيطة؛ فالطرقات والميادين والعمارات يملأها البشر، ولك أن تتصورأن ولاية بومباي وحدها بضواحيها يسكن بها مائة مليون، وعدد المسلمين في الهند يقارب أربعمائة مليون، ولهم ثقل سياسي واقتصادي، والدولة هناك تحسب لهم ألف حساب، بل هم مشاركون في صنع القرار، وطبيعة الهندي اللطف والوداعة مع الذكاء وحب المسالمة بخلاف الباكستاني والأفغاني؛ فإنهم أشاوس أشداء وأقوياء ومقاتلون من الدرجة الأولى، حتى قال بعض حكماء الهند: الهند تهدي الأفغان الحكماء، والأفغان يهدون للهند الملوك، بعد هذه الرحلة الأخيرة عندي والمحفوظة في خلدي والمرسومة في ذاكرتي ودّعنا إخواننا وأصدقاءنا في مطار نيودلهي المطار الجديد العالمي المركّب، وكان الدعاء والأخذ بالأحضان والشكر والثناء منا ومنهم، وتذكرتُ قول زميلي وصديقي آية الله أبي الطيب المتنبي: فِراقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيرُ مُذَمَّـمِ وَأَمٌّ وَمَنْ يَمّمْتُ خيرُ مُيَمَّمِ وَمَا مَنـزِلُ اللّذّاتِ عِندي بمَنْزِلٍ إذا لم أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَـرَّمِ http://www.al-madina.com/node/314191 ![]()
![]() إمام الحرم المكّي الشّريف فضيلة الشّيخ الدكتور عبد الرّحمن عبد العزيز السّديس / حفظه اللّه یزور الجامعۃ دارالعلوم دیوبند بقلم : الأستاذ محمد ساجد القاسمي(*) لقد شرَّف الجامعة الإسلاميّة دارالعلوم/ ديوبند إمامُ الحرم المكّي الشّريف: فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرّحمن بن عبد العزيز السّديس / حفظه الله، ورعاه بزيارته المباركة، وقد رافقه في زيارته هذه وفد مكوَّن من كل من سعادة الدكتور فيصل حسن طراد سفير المملكة العربيّة السّعوديّة لدى دهلي الجديدة، وفضيلة الشيخ أحمد الرّومي مندوب المملكة، وفضيلة الشيخ يوسف حفظهم الله، وذلك يوم الجمعة 19/ربيع الثّاني 1432هـ الموافق 25/ مارس 2001م . قام فضيلة الشيخ بهذه الزّيارة الودّيّة للهند على دعوة كريمة من فضيلة الشيخ أرشد المدني لحضور مؤتمر عظمة الصّحابة رضي الله عنهم الذي عقدته جمعيّة علماء الهند بدهلي يوم 20/ ربيع الثاني 1432هـ الموافق 26/مارس 2011م. وصل الشيخ دهلي يوم الخميس 18/ربيع الثاني. وكان في استقباله في المطار بدهلي وفد يضُمّ خمسة عشر شخصًا، وعلى رأسهم فضيلة الشيخ أرشد المدني أستاذ الحديث بالجامعة الإسلاميّة دارالعلوم/ ديوبند ورئيس جمعيّة علماء الهند، والشيخ عبد العليم الفاروقي الأمين العام لجمعيّة علماء الهند، والشيخ أسجد المدني، والشيخ أخلد الرّشيدي، والحافظ صديق أحمد، والمفتي أشفاق أحمد، والمفتي غياث الدين، ومن إليهم من كبار الشخصيّات الدينيّة، بالإضافة إلى سعادة الدكتور فيصل حسن طراد سفير المملكة العربيّة السّعوديّة لدى الهند مع موظفي سفارة المملكة العربيّة السعوديّة بدهلي. توجّه فضيلته بعد ما استقبله الوفد بالمطار مع سعادة السفير إلى فندق «أوبرا» بدهلي حيث أقام أيّام زيارته. قد نشرت الصحف الهنديّة منذ شهور نبأ مقدم فضيلته إلى الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند – ضمن زيارته للهند لحضور مؤتمر عظمة الصحابة رضي الله عنهم في دهلي الّذي تعقده جمعيّة علماء الهند: - وإمامة صلاة الجمعة في جامعها الكبير: جامع رشيد يوم: 19/ ربيع الثاني 1432هـ الموافق 25/مارس 2011م. سرَّ هذا النّبأ العظيم مسؤولي الجامعة وأساتذتها وطلاّبها ومنسوبيها المنتشرين في أرجاء البلاد كلّها، فكانوا ينتظرون هذا اليوم انتظارهم للعيد السّعيد؛ لما في قلوبهم من حب وإجلال وتقدير نحو إمام المسجد الحرام بمكّة المكرَّمة، وأرض الجزيرة العربيّة المباركة، ومملكتها الرّشيدة: المملكة العربيّة السعوديّة وعاهلها العظيم: خادم الحرمين الشّريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز/ حفظه الله وتولاّه. قبل موعد مقدمه بأيّام قامت إدارة الجامعة بتشكيل عدّة لجان وإسناد الأعمال إليها، فنشطت اللجان وقامت بكل ما أسند إليها من أعمال ومسؤوليّات خير قيام، فتمّت استعدادات وترتيبات غير عاديّة في الجامعة نظرًا لأهمّيّة هذه الزّيارة المباركة، وللتغَلُّب على زحام الجموع الحاشدة من النّاس الّذين يتحرقون شوقًا إلى رؤية الإمام المبجَّل وسماع خطبته والصلاة خلفه. فتمّت إحاطة مكان أربعة صفوف من جامع رشيد الكبير مما يلي المحراب بأنابيب حديديّة لأساتذة الجامعة وكبار الشخصيّات الدينيّة، كما تمَّ إقامة سياجٍ حديدي أمام منبر الجامع ومحرابه لفضيلة الإمام والوفد المرافق له، وكبار أساتذة الجامعة؛ وذلك لئلّا يندفع الجمع الغفير من المصلين إلى فضيلة الإمام المحترم لرؤيته ولقائه. ورُسِمَتْ خطوطٌ بيضاء بالطباشير فيما يلي جامع رشيد من الشوارع والطرق والميادين في دور السّكن الطلابيّة تسويةً لصفوف المصلين، كما نصبت شعارات ترحيبيّة على الشوارع والمداخل والأبواب داخل الجامعة وخارجها، ونظّفت الشوارع والطرقات. فقبل حلول هذا اليوم الموعود بيومين أو ثلاثة أخذ النّاس يتقاطرون إلى الجامعة، وجامعها الكبير حتّى اغتصّ الجامع بالمصلّين يوم الخميس 18/ ربيع الثاني، فلمَّا حلَّ اليوم الأغرّ: يوم الجمعة 19/ ربيع الثاني 1432هـ، أخذ يتدفق سيل عارم من النّاس من كل صوب وحدب حتى غُلِبَتْ إدارة الجامعة على أمرها وتمـركز هذا السيل في ساحات جامع رشيد، وما يليه من مباني الجامعة، وشوارع المدينة وطرقاتها. فكلّما تقدمت ساعات النّهار ازدادت سيول النّاس تدفُّقًا. فلمّا كانت السّاعة الحادية عشرة اندفع الناس إلى الجامعة حتى انكسر أحد أبوابها، فاندفع الناس داخل الجامعة. وأمّا قبل وصول الإمام ما بين الحادية عشرة والثانية عشرة والنصف فحدّث عن السيول المتدفقة للمصلين ولا حرج. لقد رسمت إدارة الجامعة أنه يحضر مجموعة من مسؤولي الجامعة وأساتذتها بالسيَّارات مهبطَ الطائرة لاستقبال وتلقّي الإمام المحترم والوفد المرافق له، ويذهبون بهم إلى الجامعة دخولاً من باب الجامعة الذي يلي مبنى المكتبة الجديد الجاري بناؤه ومرورًا بالبوّابة الظاهريّة والمباني الجامعيّة ويصلون إلى مضيفة الجامعة، حيث يستقبله ويجتمع به مسؤولو وأساتذة الجامعة، وتوضع مأدبة شاي، وتعقد جلسة لقاء مع الأساتذة والمسؤولين، وذلك في الحادية عشرة ضحىً. ثم تعقد حفلة ترحيب في جامع رشيد الكبير في الثانية عشرة، وبعد انتهاء الحفلة يؤذّن لصلاة الجمعة، ويخطب فضيلة الإمام خطبتيها، ويؤم صلاتها. ثم يعود إلى المضيفة حيث يحضر مأدبة الغداء، ثم يجري اجتماع للأساتذة به للتّعارف ولتبادل الأرآء والمحادثة. ثمّ يودّعه الأساتذة في الثالثة والنصف، وتقله المروحية قبل الرّابعة إلى دهلي. لقد أفاد فضيلة الشيخ أرشد المدني ببرنامجه المخطط أنّه يركب متن مروحية خاصّة في التاسعة ضحى، ويستغرق السفر من دهلي إلى ديوبند نحو ساعة. فيصل ديوبند العاشرة، وتغادر المروحية ديوبند إلى دهلي حتى الرّابعة، ويبقى في الجامعة ما بين العاشرة إلى الرابعة. فلمّا أصبح صباح يوم مقدمه: الجمعة 19/ ربيع الثاني 1432هـ ذهب مجموعة مكوّنة من ستّة مسؤولي وأساتذة الجامعة إلى مهبط المروحية قرب جامعة الطب. وهم فضيلة الشيخ غلام محمد وستانوي أحد مسؤولي الجامعة، وفضيلة الشيخ المفتي أبوالقاسم النعماني الرئيس التنفيذي للجامعة، وفضيلة الشيخ مجيب الله الغوندوي عميد شؤون التعليم بالجامعة، والشيخ شوكت علي القاسمي البستوي، والشيخ محمد سلمان القاسمي البجنوري، والشيخ محمد عارف جميل القاسمي الأعظمي، وكاتب هذه السطور بجانب عدد كبير من كبار الشخصيّات من أهالي مدينة ديوبند، ورجال الشرطة من إدارة البوليس. هاتف الشيخ أرشد المدني الّذي كان معه في المروحيّة بأنه تصل بعد نحو الثانية عشرة، فيذهب الشيخ توًّا إلى جامع رشيد، وأن تعقد الحفلة – إذا سمح الوقت – وإلا يخطب الشيخ ويصلي الجمعة. هبطت المروحية في نحو الساعة الثانية عشرة والنصف. نزل فضلية الشيخ والوفد المرافق له من المروحية، فسلّم على من حضروا المهبط لتلقّيه من مسؤولي الجامعة وأساتذتها وكبار الشخصيّات من المدينة، فأحاطو به إحاطة الهالة بالقمر، يردّون عليه السلام، ويستقبلونه ويرحّبون به ويصافحونه. ثم قرَّب له رجال الشّرطة سيّارة مضادّة للرّصاص (Bullet Proof) فركبها، وذهبوا به من جانب شارع «قاسم فوره» فلما دخلت سيّارته المدينة، وقف الناس في السماطين على جانبي الشارع مرحّبين به ومستقبلين، حتى دخل الجامعة من الباب الذي يلي مبنى المكتبة الجديد الجاري بناؤه، ووصلت سيّارته مخترقةً زحام الجموع الغفيرة من الناس، بصورة أو أخرى إلى المدخل المحرابي لجامع رشيد الكبير، فنزل من السيّارة وسلّم مشيرًا بيده لدى المدخل على الحضور، ثم دخل الجامع حيث ينتظره طلاب الجامعة وأساتذتها ومنسوبوها والحاضرون فيه وخارجه بفارغ الصبر، ويستطيلون اللحظات. وصل جامع رشيد الواحدة إلاّ الربع، فأقيمت فيه حفلة ترحيب، أدارها فضيلة الشيخ محمد سلمان البجنوري أستاذ بالجامعة، واستهلّها المقرئ آفتاب أحمد أستاذ التجويد والقراءات بالجامعة بتلاوة آي من القرآن الكريم. سلّط الشيخ محمد سلمان ضوءًا خاطفاً على الجامعة ومنجزاتها، وذكر ما قال عن الجامعة فضيلة الدكتور عائض القرني صاحب كتاب «لاتحزن» الذي زارها مؤخرًا: ... «أتذكر قول الدكتور محمد إقبال شاعر القارّة الهنديّة، بل شاعر الإسلام، حينما كان يُنْشِدُ في الجيل، ويقول لهم: أين الهممم عندكم؟ يقول بالعربيّة مترجمًا: أرى التذكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال وأصبح وعظكم من غير روح ولا سحر يُطِلُّ من المقال وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي ؟ وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال؟ منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خال أقول لإقبال: رحمك الله؛ لو رأيت الناس، والطلاّب، والعلماء في دارالعلوم/ ديوبند لقلت: الحمد لله، وجدت الوعظ الصحيح، والعلم النّافع، والحياة الطيّبة، والتلقين المحقق، والتدقيق المصدق، والمنهج السوي بإذن الله». ثم أنشد الأخ إقرار أحمد طالب بالجامعة نشيدًا باللّغة الأرديّة في مديح الإمام المحترم لصاحبه الشاعر الأردي المعروف الشيخ رياست علي / حفظه الله أستاذ الحديث والأدب بالجامعة، وترجمه كاتب هذه السطور ترجمة حرةً إلى اللّغة العربيّة، وهي كما يلي: جاء اليوم إمام الحرم * رضي الخلق جميل الشيم وارث هادي الأمـم * ذو نسبـــة إلى الحـــرم تبشّره في الجنّة بالفوز المبين جاء اليوم إمام الحرم * تائجٌ بتاج الإمــامــــة حالٍ بنور الأمانـــة * شادٍ بمدح الصحابــــة يا لحسنَ دعوة الدّين ! جاء اليوم إمام الحرم * يسمع قرآنه الجنُّ والملك ويعظّمه حتى الفلك * ويدوّي من الشرق إلى الغرب بصوته العذب الرنين جاء اليوم إمـام الحرم * كالصَّبا ذي الـريَّا العطـر أوالسحاب ذي المسك الزفر * مقتفيا للصحب جُلّ الأثر وبين النجوم كالقمر المزين جاء اليوم إمام الحرم * قـرآنــه مزامـير داود وله لهجة ابن مسعود * وثيقة صلتـه بالمعبـود الله أحسن الخالقين ثم تلا كلمةَ التحيّة والترحيب المكتوبة فضيلةُ المفتي أبوالقاسم النّعماني الرئيس التنفيذي للجامعة الّتي جاء فيها: «نحمد الله جلَّ وعلا ونشكر على أنّه أتاح لنا – نحن مسؤولي هذه الجامعة وأساتذتها وطلابَها ومنتسبيها – هذه الساعة السعيدة التي نجتمع فيها بالداعية الكبير فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرّحمن بن عبد العزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرّمة/ حفظه الله ورعاه، في رحاب أكبر وأعرق الجامعات الإسلاميّة في شبه القارة الهنديّة: دارالعلوم، ديوبند . فكم سمعنا تلاواته الرطبة، فشنَّفت آذاننا، وأثَّرت على قلوبنا، وكم سمعنا اسمه، فأثار فينا كوامن الشوق إلى رؤيته، فنحن نعُدّ أنفسنا سعداء محظوظين، إذساق الله عزّ وجلّ لنا هذه الساعة المباركة التي نراه فيها بأم أعيننا. فنشكره ونرحّب به ترحيبًا حارًّا نابعًا من أعماق القلوب وقرارات النفوس، ونستقبله بكل معاني الأخوة الصادقة، والحبّ العميق، وعواطف الاحترام البالغ والتقدير العظيم. ضيفنا الكريم! كم تثلج صدورنا اليوم، وكم تقَرّ عيوننا إذ نرى بين ظهرانينا شخصيّتكم الكريمة التي تحظى بشرف عظيم، وهو إمامة وخطابة الحرم المكّي الشريف، وتسعد بالانتماء إلى الأرض المباركة التي جعلها الله مهبط الوحي الخالد، ومصدر الرسالة الأخيرة، ومنبع الهداية والإصلاح، ومحط أنظار المسلمين في العالم. كما تتشرّف بالانتساب إلى قيادتها الرّشيدة المتمثّلة في حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – أضفى الله عليه ظلال الصحّة والعافية – التي تُعْنٰى بتطبيق الشريعة الإسلاميّة، وتقوم بخدمة الحرمين الشريفين، وتوفّر كافة التسهيلات لضيوف الرّحمن». ثم ألقى الشيخ الإمام كلمة ذات أهمّيّة بالغة يشكر الله على هذه الزيارة للجامعة ويُشيد فيها بجهود مشايخ، وعلماء الجامعة في خدمة الإسلام، والعلوم الإسلاميّة. وقد قال فيها: «فإني أحمد الله تبارك وتعالى وأشكره على ما منّ به عليّ في هذا اليوم، اليوم الأغرّ من زيارة هذه الجامعة – الجامعة العريقة، الجامعة الإسلامية [دارالعلوم/ ديوبند] في مثل هذه البلاد التي لها رسالتها العظيمة عبر قرون طويلة وسنوات متعدّدة، فالحمد لله والشكرُ له على هذه النّعمة السّابغة، فكم له علينا من آلاء وفضائل ونعم لانحصي لها عدًّا، أنقل إليكم أيّها الإخوة في هذا اللّقاء الماتع المبارك تحيّات وتقدير حكومة المملكة العربيّة السعوديّة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وفقه الله وأيّده ورعاه، وكذلك سمو وليّ عهده، وسمو النائب الثاني للحكومة الرّشيده، وكذلك علماء وأئمّة الحرمين في مكة المكرّمة وفي المدينة النبويّة المنوّرة على ساكنها أفضل الصلوات وأتمّ التسليم، وكذلك شعب المملكة العربيّة السعوديّة الّذي يكنّ لكم المحبّة والتقدير، ويشيد بهذه الجهود المباركة الّتي تبذلها الجامعة، ويبذلها إخواننا المسلمون في شبه القارّة الهنديّة من تمسكهم واعتزازهم بإسلامهم ودينهم وحبّهم لمهبط الوحي ومنبع الرّسالة، هذا الحبّ الّذي ترجمه هذا الحضور الكثيف الّذي تعِب فيه الإخوة تعبًا، أسأل الله عزّ وجلّ أن يثيبهم عليه ويأجرهم، وهو من الرّباط في سبيل الله عزّ وجلّ، وهو من الأعمال الصالحة التي تدلّ على تلك المحبّة لهذا الدّين، ولعلماء الحرمين، ولمكّة المكرّمة وللكعبة المشرّفة ولمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشكر باسم المملكة العربيّة السعوديّة القائمين على هذه الجامعة رئيسًا وإدارةً ومؤظَّفين، وأعضاء هيئة التدريس، والطلاب الذين ترجم حضورهم هذا حبّهم للعلم وأهله، فبوركت هذه الجهود، وجزاكم الله عنّا خيرًا، ويعلم الله أن المسلم يسعد غاية السعادة، وهو يرى هذه الوجوه الطيّبة، وهذ الجمع المبارك الّذي يكتنف هذا اللقاء في لقاء الواقع أنه تاريخي متميّز لهذا الحضور الكثيف الذي إنّما أتى به حبّ الإسلام، وحبّ الحرمين، وحبّ المملكة العربيّة السعوديّة. إنّنا أيّها الإخوة نحبّكم في الله عزّ وجلّ وندعو لكم دائمًا بالتوفيق، والسّداد، ونكبر ونجلّ، ونعِزّ فيكم هذه الرغبة، وهذا الحبّ الكبير الذي لاشك أنّه يترجم عمليًّا الإسلام الحقّ باعتداله و وسطيّته الّذي يقوم على العلم النافع، وعلى العمل الصالح. فجزاكم الله خيرًا أيّها الإخوة على هذا الاحتفاء، وهذه الاحتفاليّة، وجزاكم الله خيرًا على ما شهدناه ولمسناه ورأيناه من حبّ كبير لأهل العلم وحملته، لاسيّما من أهل الحرمين الشريفين؛ فإنّي عاجز عن هذا التعبير الذي أستطيع أن لا أفي به من خلال هذا اللقاء وهذا الحضور وهذه المحبّة، ولكنّنا لانملك لكم إلاّ الدّعاء لكم بالتوفيق والتسديد والتيسير، وعلينا أيّها الإخوة أن نتحلى تحليًّا صحيحًا بالإسلام في عقيدته السمحة الصافية في التوحيد لله ربّ العالمين. وما الجامعة الإسلاميّة دارالعلوم/ ديوبند في هذه البلاد إلاّ نموذج – ولله الحمد – مشرق في إخراج الجيل المسلح بسلاح العلم والإيمان، فبوركت هذه الجامعة، وبورك القائمون عليها، وبورك المسؤولون فيها، ومدرسوها وطلابها. وإنّنا سعداء غاية السعادة، وأرى ذلك أيضًا في محيّا سفير خادم الحرمين الشريفين، والوفد المرافق الّذين غمرهم جميعًا هذا الحبّ وهذا التعلّق وهذا التميّز، فجزاكم الله عنّا خير الجزاء، وشكر الله لكم، وبوركت هذه الجامعة، وهنيئًا للأمّة الإسلاميّة، لاسيّما بالقارّة الهنديّة بهذا الجيل الّذي يعتز بإسلامه ودينه». ثم قام الشيخ أرشد المدني مترجمًا هذا الخطاب إلى اللّغة الأرديّة للحاضرين. ثمّ قام سعادة الدكتور فيصل حسن طراد سفير المملكة، وألقى كلمة أثنى فيها على حبّ وولاء مسؤولي وأساتذة وطلاّب الجامعة، والحضور المتجمهرين في جامع رشيد ومباني وشوارع المدينة وطرقها وساحاتها للإمام المحترم، وحكومة خادم الحرمين الشريفين، وأرض الحجاز المباركة، ودعا لهم بالخير والبركة. حيث قال: «في الحقيقة لايمكن للسفراء أن يتحدّثوا بعد السادة الأفاضل، لعلّه ليس هناك مجال للمقارنة؛ ولكن اسمحوا لي بكلمة شكر وتقدير أبديها للرئيس التنفيذي للجامعة الشيخ أبوالقاسم النعماني، وللشيخ أرشد المدني رئيس جمعيّة علماء الهند، ولكل الإخوة المسلمين في الهند على هذه الحفاوة وهذا الترحيب المنقطع النظير الذي نشهده اليوم، ترحيبًا بفضيله الإمام الدكتور الشيخ عبد الرّحمن السديس/ إمام المسجد الحرام المكي. والحقيقة ما نشهده اليوم هو تأكيد على أن الأمّة الإسلاميّة بخير إن شاء الله تعالى، فإنّنا نرى في هذه الوجوه المباركة المجتمعة هنا المستقبل الواعد بإذن الله، إن هذا الدّين لم يغالبه، لم يشادّه أحد إلاّ غلبه، إنّ هذا الدين الإسلاميّ صالح لكل زمان ومكان، وأنتم أهل العلم وأنتم أهل الجامعات أقدر الناس على إفهام العالم أجمع بأن هذا الدين بفضل الله لكل زمان ومكان. ولقد سعدنا كثيرًا بكل هذا الترحيب، ونرجو من الله سبحانه وتعالىٰ أن يوفّقكم، وأن يأخذ بأيديكم، ولكم منّا دائما الدعاء والدعم والمساندة». ثم خطب الشيخ الإمام خطبتي الجمعة. وممّا قال في خطبة الجمعة الأولى: «المسلمون أولى بالتراحم فيما بينهم، وتحقيق الأخوة الإسلاميّة، والبعد عن الاختلافات الفقهيّة، والاختلافات في الوسائل الدعويّة، فكلنا متحدون في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا كان الأسلاف والأخيار والأئمّة الربّانيون العلماء الذين هم محل الاقتداء، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن التابعين بعدهم ومن الأئمّة الكبار كالإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعيّ، والإمام أحمد، فكلهم من رسول الله ملتمس غرفًا من البحر أو رشفًا من الديم، هؤلاء علماء الإسلام الذين هم القدوة الذين ينبغي أن يُذْكَرُوا بجميل حتى مع الاختلاف بين أبناء المذاهب وبين أصحاب المذاهب، ينبغي أن يكون أدب الاختلافات، وأن تكون الشمائل والأخلاق والمودّه والحوار، والسماع للرأي الآخر، والإنصات وحسن الأدب، حتى ولو اختلفتَ مع من اختلفتَ، ولا يزالون مختلفين؛ ولكن يبقى أدب المحبّة والرّحمة، وينبغي أن تكون الصدور سليمة للمسلمين. كذلك ينبغي على المسلم وهو في مثل هذه البلاد أن يكون مسلماً صالحاً، ومواطناً صالحاً يحرص على النماء والإعمار والتنمية، وأن يكون رسل أمن واستقرار في هذه البلاد التي يعيش فيها، فالمسلمون عبر التاريخ لم يُعْرَفُوا إلا بهذه الصورة المشرقة، ولذا دخل كثير من الناس في دين الله أفواجًا نتيجةَ التسامح والأمانة والصدق والمحبّة التي سلكها الأسلاف». وقال في خطبة الجمعة الثانية: «إن إخواننا في هذه البلاد بلاد الهند، وفي هذه الدولة هم – ولله الحمد – ممن يعتزون بإسلامهم، ويتمسكون بدينهم، ويظهرون شعائره؛ فهم محل الفخر والاعتزاز والتقدير من المسلمين جميعاً، لاسيما إخوانهم في الحرمين الشريفين. إننا ولله الحمد والمنّة إذ نشهد اليوم هذه الجموع المباركة، هذه الجموع التي تحب الإسلام وتحرص عليه لمتفائلون بإذن الله؛ فالمؤمن دائمًا يتفاءل مهما كثرت المشكلات، فإنّه دائمًا يتفاءل بنصرة دين الله عزّ وجلّ، فلا يعرف اليأس والإحباط إلى نفسه سبيلاً. فأسلافكم فتحوا هذه البلاد بحسن التعامل وبحسن الشمائل، والأخلاق، فأنتم خير خلف لخير سلف، تحملون مِشْعَل الهداية للناس جميعاً في هذه البلاد، وتكونون مواطنين صالحين مقيمين في هذه البلاد إقامة كلها الخير وكلها الاستبشار، والدعوة إلى الفضائل، والتمسّك بالقيم والمثل والمبادئ التي جاء بها هذا الدين؛ بل وجاءت بها الشرائع الإسلاميّة كلّها في نشر الخير والعدل، والمحبّة والوئام، والأمن والاستقرار والسلام، والتمسك بالنّظام، والبعد عن الفوضى والافتراق». وفاض لسانه بدعاء طويل النّفس للقائمين على الجامعة، وللإخوة الحاضرين وللمسؤولين، والقائمين على هذه البلاد قائلاً: «اللّٰهم وفّق لإخواننا في الهند اللّٰهم وفّقهم لما تحبه وترضى، اللّٰهم وفّق القائمين والمسؤولين في هذه البلاد، اللّٰهم ارزقهم لكل خير، اللّٰهم ارزق بلاد الهند الأمن والاستقرار يا ذا الجلال والإكرام، اللّٰهم وفّق لإخواننا الحاضرين في هذا المسجد والمتابعين له، اللّٰهم اجعل ذلك من الرّباط في سبيلك، واجعل أعمالهم في موازينك، واجز القائمين على هذا الجامع وهذه الجامعة خير الجزاء على ما قدّموا ويقدمون للإسلام والمسلمين وعلى ما تعبوا في أداء هذه المهمّة العظيمة، اللهم فاجعل ذلك في موازين حسناتهم وصحائف أعمالهم». ثمّ صلى الجمعة بالحضور ودوّى في أرجاء مدينة ديوبند الصوت العذب الّذي يدوّي في المسجد الحرام. وقد صلّى خلفه نصف مليون نسمةٍ، لقد عادت معظم مدينة ديوبند مسجدًا صلّى الناس في مساجدها وساحاتها وشوارعها ومنازلها وعلى سطوحها ومحلاّتها التجاريّة، حتّى الهندوس ساعدوا المصلين في أداء الصلاة؛ حيث أفسحوا لهم في منازلهم ومحلاتهم. بعد ما انتهت صلاة الجمعة توجَّه مسؤولو وأساتذة الجامعة بفضيله الإمام والوفد المرافق له بالسيارات إلى مضيفة الجامعة مخترقةً الجموع الحاشدة التي يدفعها دفعًا الشوق البالغ، والرغبة الجامحة في رؤية ولقاء الإمام المحترم إلى سيّاراتهم، حتّى وصلت سيارته إلى باب المضيفة، فالتمس فضيلة الشيخ أرشد المدني أن ينزل إلى المضيفة؛ حيث يتمّ لقاء خاص مع أساتذة الجامعة، ويحضر مأدبة الغداء، وأراد الشيخ الإمام أن ينزل من السيّارة، ولكن سعادة السفير لما رأى الجموع الحاشدة من الناس يندفعون إلى سيّارته رغبةً في رؤيته، منعه من أن ينزل من سيّارته خوفًا من أن يصيبه مكروه أو يصعب عليه ركوب السيّارة في الجموع التي تكتنفها، فذهب إلى مهبط المروحيّة توًّا، فذهب بعض أساتذة الجامعة بالغداء إلى المهبط، فما إن وصلوا المهبط حتى طارت المروحية في نحو الثالثة والنصف ظهرًا. وفي 25/ ربيع الثاني 1432هـ الموافق 30/ مارس 2011م أرسلت الجامعة وفدًا مكوّنًا من فضيلة الشيخ أرشد المدني، والشيخ محمد سلمان البجنوري والشيخ منير الدين القاسمي أساتذة الجامعة وكاتب السطور لإيصال رسائل الشكر لكل من الإمام المحترم، ومعالي وزير الخارجيّة السعودي، وسعادة السفير، ففــرح سعادة السّفير، وأفاد أن فضيلة الإمام كان سعيدًا بهذه الزّيارة، وبحضوره موتمر عظمة الصحابة (رضي الله عنهم) غاية السعادة. سجَّل فضيلة الإمام بعد ما عاد إلى الفندق في دهلي انطباعاته عن الجامعة في سجلها، وممّا كتب في السّجل: «يسّر الله لي زيارة جامعة دارالعلوم / ديوبند بدعوة كريمة من الشيخ أرشد المدني أثناء إقامته لمؤتمر عظمة الصحابة رضي الله عنهم، وقد سعدت بما غمروني به من حفاوة وحسن استقبال، والمشاركة لهم في احتفاء كريم وجمع غفير؛ فجزاهم الله خيرًا على جهودهم المباركة في هذا الصرح العلميّ الشامخ، والمعقل التربوي العريق، ونشكرهم على ما قدّموا، ونوصيهم وأنفسنا بتقوى الله عزّ وجلّ، وبذل مزيد من الجهود في خدمة العقيدة الصحيحة، والمنهج السليم على منهج سلفنا الصالح. بارك الله في جهودهم وسدَّد خطاهم». ولاتزال تعيش الجامعة ذكريات زيارة الإمام المحترم المباركة، وسوف تبقى حيّةً خالدة في ذاكرة تاريخ الجامعة بإذن الله. * * * (*) أستاذ قسم الأدب العربي بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند. http://www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/tmp/1309666389fix8sub2file.htm مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رجب 1432هـ = يونيو 2011م ، العدد : 7 ، السنة : 35 ![]() نص خطاب إمام الحرم المكي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن عبد العزيز السديس / حفظه اللّه في ديوبند مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رجب 1432هـ = يونيو 2011م ، العدد : 7 ، السنة : 35 خطاب إمام الحرم المكي الشريف: فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن عبد العزيز السديس / حفظه اللّه في جامع رشيد الكبير في محيط الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند يوم الجمعة: 19/ ربيع الثاني 1432هـ الموافق 25/مارس 2011م نقله عن الشريط : محمد عاصم المئوي ، ومحمد قاسم الدهلوي طالبان في قسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة وراجع الخطاب بعد النقل : الأستاذ محمد ساجد القاسمي أستاذ بالجامعة بسم الله الرَّحمن الرَّحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على سيد الأولين والآخرين، ورحمة للعالمين، نبينا وحبيبنا وسيّدنا وقدوتنا «مُحمَّد بن عَبْد الله» صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه دائمًا أبدًا إلى يوم الدين. أما بعد: فإني أحمد الله – تبارك وتعالى – وأشكره على ما منّ به في هذا اليوم الأغر من زيارة هذه الجامعة – الجامعة العريقة، الجامعة الإسلامية دارالعلوم / ديوبند – في مثل هذه البلاد التي لها رسالتها العظيمة عبر قرون طويلة، وسنوات متعددة، فالحمد لله والشكر له على هذه النعمة السَّابغة، فكم له علينا من آلاء وفضائل ونعم لانحصي لها عدًّا. أنقل إليكم أيها الإخوة في هذا اللقاء الماتع المبارك تحيّاتِ وتقديرَ حكومة المملكة العربية السُّعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين – وفّقه الله وأيّده ورعاه – وكذلك سموّ ولي عهده، وسمو النائب الثاني للحكومة الرشيدة، وكذلك علماء وأئمة الحرمين في مكة المكرمة، وفي المدينة النبوية المنورة على ساكنها أفضل الصلوات وأتم التسليم، وكذلك شعب المملكة العربية السعودية الذي يُكنّ لكم المحبة والتقدير. ويشيد بهذه الجهود المباركة التي تبذلها الجامعة، ويبذلها إخواننا المسلمون في شبه القارة الهندية من تمسّكهم واعتزازهم بإسلامهم ودينهم وحبهم لمهبط الوحي، ومنبع الرسالة، هذا الحب الذي ترجمه هذا الحضور الكثيف الذي تعب فيه الإخوة تعبًا نسأل الله – عزَّ وجلَّ – أن يُثِيبَهم عليه ويأجرهم، وهو من الرباط في سبيل الله – عزّ وجلّ – وهو من الأعمال الصالحة التي تدل على تلك المحبة لهذا الدين ولعلماء الحرمين، ولمكة المكرمة، وللكعبة المشرفة، ولمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشكر باسم المملكة العربية السعودية القائمين على هذه الجامعة رئيسًا وإدارةً وموظفين وأعضاء هيئة التدريس والطلاب الذين يترجم حضورهم هذا حبهم للعلم وأهله، فبوركت هذه الجهود، وجزاكم الله عنا خيرًا. ويعلم الله إن المسلم ليسعد غايةَ السعادة وهو يرى هذه الوجوه الطيبة، وهذا الجمع المبارك الذي يكتنف هذا اللقاء، في لقاء الواقع إنه تاريخيّ متميز. إن الحضور الكثيف، إنما أتى به حبّ الإسلام وحبّ الحرمين وحب المملكة العربية السعودية. إننا أيها الإخوة نحبكم في الله – عز وجلّ – وندعو الله لكم دائما بالتوفيق والسّداد، ونُكْبِرُ ونُجِلُّ ونُعِزُّ فيكم هذه الرغبة، وهذا الحب الكبير الذي لاشك أنه يترجم عمليًّا الإسلامَ الحقّ باعتداله و وسطيّته الذي يقوم على العلم النافع وعلى العمل الصالح. «هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُوْلَه بالهُدٰى ودينِ الحقِّ لِيُظْهِرَه على الدِّين كله» فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، فينبغي على المسلم أن يحرص كلَّ الحرص على أن ينوّر قلبه ونفسه وروحه بهذا العلم، والاستفادة منه؛ لأن العلم نور، والجهل ظلام وشرور، العلم فضيلة، والشر رذيلة، «يَرْفِعِ الله الذِيْنَ اٰمَنُوا مِنْكُم والذينَ أُوتُوا العِلْم دَرَجٰتٍ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُوْنَ وَالذِيْنَ لاَيَعْلَمُونَ» «وقل ربِّ زِدْنِي عِلْمًا» «من سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة» «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» وما الفخر إلا لأهل العلم إنه على الهدى لمن استهدى أدلاّء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء فجزاكم الله خيرًا أيها الإخوة على هذا الاحتفاء وهذه الاحتفالية، وجزاكم الله خيرًا على ما شهدناه ولمسناه ورأيناه من حب كبير لأهل العلم وحملته، لاسيما من أهل الحرمين الشريفين؛ فإني عاجز عن هذا التعبير الذي لا أستطيع أن لا أفي به من خلال هذا اللقاء، وهذا الحضور، وهذه المحبة؛ ولكننا لانملك لكم إلا الدعاء لكم بالتوفيق والتسديد والتيسير. وعلينا أيها الإخوة أن نتحلّى تحليًّا صحيحًا بالإسلام في عقيدته السمحة الصافية، في التوحيد لله رب العالمين. في الحِرص على سنة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - في وحدة هذه الأمة، في الاجتماع والاعتصام بالكتاب والسنة، ومنهج سلف هذه الأمة للتنوّر بالعلم النافع والعمل الصالح علوم الوحي وعلوم الآلة وعلوم العصر، فكلنا بحاجة ماسّة إلى تطبيقها وإلى تحقيقها ليكون للمسلمين قوتهم وهيبتهم ومكانتهم وثقلهم، إننا بحاجة ماسّة إلى فهم إسلام الحقّ، وإلى أن يكون المسلم رجل الأمن، ورجل السّلام والاستقرار، وأن يُفعِّل الإسلام الصحيح؛ بأن يكون مواطنًا صحيحاً، يحرص كل الحرص على أن يكون عينًا ساهرةً على أمن البلاد وعلى حفظ عمرانها. وما الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند في هذه البلاد إلا نموذج – ولله الحمد – مشرق في إخراج الجيل المتسلح بسلاح العلم والإيمان، فبوركت هذه الجامعة، وبورك القائمون عليها، وبورك المسؤولون فيها، ومدرسوها وطلابها. وإننا سعداء غايةَ السعادة، وأرى ذلك أيضاً في محيّا سفير خادم الحرمين الشريفين والوفد المرافق الذين غمرهم جميعًا هذا الحبّ وهذا التعلّق وهذا التميّز، فجزاكم الله عنا خير الجزاء، وشكر الله لكم، وبوركت هذه الجامعة وهنيئا للأمة الإسلامية، لاسيما بالقارة الهنديّة هذا الجيل الذي يعتزّ بإسلامه ودينه. نسأل الله – عز وجل – أن يرزقنا جميعاً العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يوفقنا جميعًا إلى ما يحبّه ويرضاه. وآخردعوانا الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الخطبة الأولى قبل صلاة الجمعة إنّ الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لاشريك له، إلٰه الأوّلين والآخرين، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمدًا عبد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وبارك عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار والتّابعين ومن تبعهم بإحسان، ما تعاقب اللّيل والنّهار، أمّا بعد: فياعبادَ الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله – عزّ وجلّ – فإنّ تقواه – سبحانه – وصيّته للأوّلين والآخِرين من عباده، يقول الله – عزّ وجلّ - : «وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِيْنَ أُوْتُوْا الْكِتٰبَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوْا اللهَ» ألا إنّما التّقوى هي العزّ والكرم، وحبّك للدّنيا هو الذُّل والسَّقم، وليس على عبدٍ تقيٍّ نقيصة إذا اتّقى حقّ التّقوى، وإن حاك أو هجم. أيّها المسملون! الأفراد والمجتمعات، والأمم والحضارات إنّما تقاس مدى تمسّكها بعقيدتها ومباديئها ومثلها وقيمها، وإنّ من فضل الله – عزّ وجلّ – علينا نحن أبناء هذه الأمّة – أمّة الإسلام وأمّة محمّدٍ - صلى الله عليه وسلم - أن أكرمنا الله بهذا الدّين دين الإسلام، الدّين الخاتم، دين الشمول والكمال «اَليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِيْ وَرَضِيْتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِينًا» لاخير إلاّ في ظلّ الإسلام، جاء محمّد - صلى الله عليه وسلم - وبُعِثَ رحمةً للعٰلمين، «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعٰلَمِيْنَ»، أنزل الله عليه هذا الذّكر المبين، وهذا القرآن الحكيم، «وإنَّه لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُوْنَ»، «لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُم كِتَابًا فِيْه ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُوْنَ»، وهذا الإسلام – بحمد الله – شمل من العقائد أصْفَاها، ومن العبادات أسماها، ومن الأخلاق أزكاها يقوم هذا الدّين أيّها المسلمون! على أصل التّوحيد والإخلاص لله ربّ العٰلمين، «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُوْنَ» «واعْبُدُوا اللهَ، وَلَا تُشْرِكُوْا بِه شَيْئًا» هذه كانت رسالة الأنبياء والمرسلين «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُوْلٍ إِلاَّ نُوْحِيْ إِلَيْه أَنَّهُ لاَ إلٰهَ إلاّ أنا فَاعْبُدُوْن» فإخلاص الدّين لله مِن أهمّ الرّكائز الّتي ينبغي أن ينبني عليها دين العبد في هذه الحياة، «أَلاَ لله الدِّيْنُ الْخَالِصُ» «وَمَا أُمِرُوْا إِلاَّ لِيَعْبُدُوْا اللهَ مُخْلِصِيْنَ لَهُ الدِّيْنَ حُنَفَاءَ»، وكذلك تجريد المتابعة لرسُول الله الحبيب المصْطَفٰى، والرّسول المجتبٰى، بأبي هو وأمّي - صلى الله عليه وسلم - فلقد قال الله فيه: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيْ رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُواللهَ واليَوْمَ الآخِرَ، وَذَكَرَ اللهَ كثيرًا»، ويقول - صلى الله عليه وسلم - : من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ، فواجب المسلم أن يتمسّك بكتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على صحّة الاعتقاد، وتجريد المتابعة للحبيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا خير في هذه الحياة إلاّ في ظلّ الكتاب والسّنّة، ولذا فإنّ واجب الأمّة الإسلاميّة أن تعتصم بكتاب الله – عزّ وجلّ – وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن تحذر من التنازع والشقاق والاختلاف والافتراق، «واعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعًا وَّلاَ تَفَرَّقُوْا» «وَلاَ تَنَازَعُوْا فَتَفْشَلُوْا وتَذْهَبَ رِيْحُكُمْ وَاصْبِرُوْا إنّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِيْنَ» «مُنِيْبِيْنَ إليْهِ وَاتَّقُوْهُ وأَقِيْمُوالصَّلوٰةَ وَلاَ تَكُوْنُوْا مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ» «مِنَ الَّذِيْنَ فَرَّقُوْا دِيْنَهُمْ وَكَانُوْا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُوْن»، فالاعتصام بالكتاب والسّنة، وتحقيق وحدة الأمّة الإسلاميّة «إنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوْن»، هو منهج المسلم الحقّ ينبغي أن يسعى إليه، وَيُعْلِيَ رأيته في كل زمان ومكان تحقيقًا للأخوّة الإسلاميّة «إنَّمَا المُؤْمِنُوْنَ إخْوَةٌ» مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعٰى له سائر الجسد بالسهر والحمّٰى، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا. أيّها المسلمون! وإنّ من المنهج الحقّ الّذي ينبغي أن يسير عليه المسلم منهج الوسَط والاعتدال كما قال الله – عزّ وجلّ - : «وكَذلكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وَّسَطاً» فلا غلوّ ولا جفا، ينبغي على المسلمين أن يفهموا دينهم، وأنّه دين الأمن والخير والسّلام والرّحمة والتّسامح والمحبّة والوئام، هذا هو المنهج السليم، هذه حقائق الإسلام وإشراقاته، ومبادئه وجماليّاته، الّتي ينبغي أن نُعليها في كلّ الأزمنة والأمكنة، لاسيّما في مثل هذه الأزمنة الّتي رُمِيَ الإسلام فيها بالمصطلحات الموهمة كمصطلح الإرهاب، ولذا فينبغي على المسلمين أن يكونوا قدوةً حسنةً في تطبيق الإسلام الحقّ، بشموله وكماله، ومحاسنه ومزاياه، وأنّه دين الله الصالح لكل زمان ومكان الّذي لاخير إلاّ في ظلاله، ولا شرّ إلاّ في البعد عنه «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقٰى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِيْ فإنَّ لَهُ مَعِيْشَةً ضَنْكاً» وإنّ من أكبر المشكلات الّتي يعانيها المسلمون في هذه الأزمنة مشكلة فهم المسلمين لدينهم ولحقائق دينهم، وذلك الانفصام بين القول والتّطبيق والعمل، فينبغي علينا أن نحرص كل الحرص على أن نتمسّك بديننا مُعلنين ومُعتزّين بعقيدته السمحة، وبالوحدانيّة لله ربّ العٰلمين، وبالمتابعة لرسول الله المصطفى الأمين - صلى الله عليه وسلم - وعلى أن نسير على منهج الإسلام الوسط المعتدل، ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد. كذلك ينبغي على المسلم وهو في مثل هذه البلاد أن يكون مسلمًا صالحًا ومواطنًا صالحًا يحرص على النماء والإعمار والتنمية، وأن يكون رسل أمن واستقرار في هذه البلاد الّتي يعيش فيها. فالمسلمون عبرَ التّاريخ لم يُعْرَفُوا إلاّ بهذه الصورة المشرقة، ولذا دخل كثير من النّاس في دين الله – عزّ وجلّ – أفواجًا نتيجةَ التّسامح والأمانة والصدق والمحبّة الّتي سلكها الأسلاف، وما ذلك بغريب على دين كله رحمة، «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعٰلَمِيْنَ» رحمة للعالمين ليس للمسلمين فقط، فالمسلمون أولى بالتراحم فيما بينهم، وتحقيق الأخوّة الإسلاميّة، والبعد عن الاختلافات الفقهيّة، والاختلافات في الوسائل الدّعويّة، فكلّنا ذلك الرّجل في حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهكذا كان الأسلاف والأخيار والأئمّة الرّبانيّون العلماء الّذين هم محل الاقتداء من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن التابعين بعدهم، ومن الأئمّة الكبار كالإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، فكلّهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملتمس غرفًا من البحر أو رشفاً من الديم، هؤلآء علماء الإسلام الّذين هم القدوة الّذين ينبغي أن يُذْكَرُوا بجميل حتّى مع الاختلاف بين أبناء المذاهب، وبين أصحاب المذاهب، ينبغي أن يكون أدب الاختلاف، وأن تكون الشمائل والأخلاق والمودّة والحوار والسماع للرأي الآخر والإنصات وحسن الأدب حتى ولو اختلفتَ مع من اختلفتَ، ولايزالون مختلفين، لكن يبقى أدب المحبّة والرّحمة، وينبغي أن تكون الصدور سليمة للمسلمين «وَالَّذِيْنَ جَاءُوْا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُوْلُوْنَ رَبَّنَا اغْفِرْلَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِيْنَ سَبَقُوْنَا بِالإِيْمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِيْ قُلُوْبِنَا غِلاًّ لِلَّذِيْنَ آمَنُوْا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوْفٌ رَّحِيْمٌ». وإنّ من فضل الله – عزّ وجلّ – أنّ هذا الدّين منصور بنصر الله – عَزَّ وجلّ – ثم بما يهيّئه في كل زمان ومكان من الرّجال الّذين يحملون شُعَلَ الدّعوة إلى الله – عز وجلّ – يحمل هذا الدّين من كل خَلَف عدول، ينفون عنه تحريفَ الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويلَ الجاهلين، وها نحن نرى – ولله الحمد والمنّة – هذه المساجد، وهذه المراكز، وهذه الجامعات والمصادر الإشاعيّة في نشر العلم والدّعوة إلى الله – عزّ وجلّ – والحرص على جمع كلمة المسلمين، وإن إخوانكم في المملكة العربيّة السّعوديّة، في مكّة المكرّمة، وفي المدينة المنوّرة، ليُجِلُّون ويباركون هذه الجهود الّتي يقوم بها المسلمون في هذه البلاد، من حرصهم على التمسّك بهويتهم وعلى دينهم وعلى لغتهم العربيّة، وهذا الحرص على جمع كلمة المسلمين، ووحدة كلمتهم، وأن نتواصىٰ دائمًا بأن نكون رجال أمن وخيرٍ واستقرارٍ وسلامٍ ومحبّة ووئام، كما كان أسلافنا الأجيال ولاينافي هذا أبدًا، اعتزاز المسلم بدينه وتمسّكه بثوابته وقيمه، إنّنا بحاجة ماسّة عن التخلّي عن الأنانيات، وعن الفرقة والاختلافات، وأن نعتصم بكتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن نتحابَّ فيما بيننا ونتوادّ على الخير، وأن يحرص المسلم على سلامة صدره وقلبه لإخوانه المسلمين، وأن يتسلّح بالعلم النّافع والعمل الصّالح، فتلك بإذن الله أمارةُ السّعادة والخير والتوفيق بإذن الله والله – عزّ وجلّ – يقول: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثٰى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحِيِيَنَّهُ حَيٰوةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأحْسَنِ مَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ». بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وفي سنّة سيّد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتُوبوا إليه، إنّه هو التّوّابُ الرَّحِيْم. الخطبة الثانية الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا. وأشهد أن لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا به وتوحيده، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذ في النار. أيها المسلمون! يتطلّع العالم اليوم إلى مجتمعات تنعم بالأمن والاستقرار والخير والسلام، وإن المسلمين هم أولى من يحرص على إعلاء هذه الراية؛ فإنهم رسل هداية للعالمين، البشريّة جمعاء، والإنسانية كافة تتطلّع إلى عدل الإسلام، وإلى رحمة الإسلام وإلى اعتزاز المسلمين بحقوق الإنسان أيًّا كان، وإن اختلفوا معه في الدين، وقولوا للناس حُسْنا، «مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِيْ الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيْعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَ النَّاسَ جَمِيعًا» وهذا هو شأن المسلم؛ لأنه يُحي القلوب بالعقيدة والإيمان بعد توفيق الله – عز وجل – وبنور العلم النافع، والعمل الصالح وبأن يكون مواطنًا صالحاً وعضوًا فاعلاً ناميًا مُنمّيًا للبلاد التي يعيش فيها «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» فالناس يعيشون في هذه الحياة للخلافة الراشدة بإذن الله التي تقوم على إعزاز دين الله – عز وجل – وعلى تحكيم شرع الله – سبحانه – وعلى التمسّك بدين الله – عز وجل – فديننا دين الشمائل والأخلاق، «وَإنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَضًّا غَلِيْظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوْا مِنْ حَوْلِكَ». فواجبنا عباد الله أن نتمسّك بديننا دين الخير، والفضائل والبعد عن الشرور والرذائل، وأن يكون المسلمون في كل مكان قائمين بأمر الله – عز وجلّ – مُنافحين عن دينه، متحلّين بالأخلاق الحسنة، يعرفون حقوق الناس جميعًا، يحرصون على أداء حق الله – عز وجل – أولاً، وقبل كلِّ شيء، في عبادته وتوحيده وإخلاص الدين له، وفي حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في محبّته واتباعه والتمسّك بسنته – عليه الصلاة والسلام – وحقّ المسلمين، بل هو حق غير المسلمين بأن يكون المسلم دائمًا عضوًا فاعلاً بالخير في أيّ وطن يعيش فيه، وإن إخواننا في هذه البلاد: في بلاد الهند، وفي هذه الدولة هم ولله الحمد والمنّة مِمَّن يعتزّون بإسلامهم، ويتمسّكون بدينهم، ويُظهِرون شعائره، ويحرصون كل الحرص عليها، فهم محل الفخر والاعتزاز والتقدير من المسلمين جميعاً، لاسيما إخوانهم في بلاد الحرمين الشريفين فنسأل الله – عز وجلّ – أن يثْبتهم على الحق، وعلى الدين القويم، وأن يزيدهم من التمسّك والاتحاد، فالاتحاد هو القوة، والاختلاف هو الفرقة وهو الضعف، وهو سبب الهزائم والانتكاسات عبر القرون والتاريخ. إننا ولله الحمد والمنة ونحن نشهد هذه الجموع المباركة، هذه الجموع التي تحب الإسلام، وتحرص عليه لمتفائلون بإذن الله. فالمؤمن دائماً يتفاءل مهما كثرت المشكلات؛ فإنه دائماً يتفاءل بنصرة دين الله – عز وجل – فلا يعرف اليأس والإحباط إلى نفسه سبيلاً. فأسلافكم فتحوا هذه البلاد بحسن التعامل وبحسن الشمائل والأخلاق، فأنتم خير خلف لخير سلف، تحملون مشعل الهداية للناس جميعاً في هذه البلاد، وتكونون مواطنين صالحين مقيمين في هذه البلاد إقامةً كلها الخير وكلها الاستبشار، والدعوة إلى الفضائل والتمسّك بالقيم والمثل والمبادئ التي جاء بها هذا الدين بل وجاءت بها الشرائع الإسلامية كلها في نشر الخير والعدل والمحبة والوئام والأمن والاستقرار والسلام والتمسّك بالنظام والبعد عن الفوضىٰ والافتراق. ثقوا بتوفيق الله بكم ونصركم وعزتكم. «وَلله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ وَلٰكِنّ الْـمُنَافِقِينَ لاَيَعْلَمُوْنَ» هذا، وصلّوا وسلّموا رحمكم الله على خير الورى نبينا محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم – جلّ وعلا – فقال – تعالى – قولاً كريماً: «إنَّ اللهَ وَمَلٰئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ، يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» اللّٰهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيد الأولين والآخرين، رحمة الله للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض اللّٰهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللّٰهم أعز الإسلام والمسلمين، اللّٰهم أعز الإسلام والمسلمين، اللّٰهم أعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللّٰهم اجمع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على كتابك وسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - اللّٰهم ارزقهم المودة والمحبة والوئام، وأبعدهم عن الخلاف والشقاق والنزاع يا ذالجلال والإكرام! اللّٰهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان! اللّٰهم وفِّق إخواننا في الهند! اللّٰهم وفقهم لما تحب وترضى، اللهم انصرهم بالبر والتقوى، اللّٰهم ارزقهم التمسّك بدينهم والثبات عليه، اللّٰهم اجعلهم إخوة متحابّين ومتوادّين على الخير متعاونين، يقومون بهذا الدين يا حَيّ يا قيّوم! ويا ذا الجلال والإكرام! اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفقه وولي عهده والنائب الثاني واجز هم خيرالجزاء على ما قدّموا ويقدّمون للإسلام والمسلمين، اللّٰهم اجعل ذلك في صحائف أعمالهم يا حيّ يا قيوم! اللّٰهم وفق القائمين والمسؤولين في هذه البلاد، اللّٰهم وفقهم لكل خير، اللّٰهم ارزق بلاد الهند الأمن والاستقرار يا ذا الجلال والإكرام! وأبْعِد عنهم الفوضى والافتراق، ووفقهم للخير في دينهم ودنياهم يا حي يا قيوم! وفي سائر بلاد المسلمين، اللّٰهم أنْقِدْ المسجد الأقصى، اللّٰهم أنقد المسجد الأقصى، وانصر كل إخواننا المستضعفين في كل مكان، وانصر إخواننا في كشمير و في كل مكان، يا قويّ، يا عزيز يا حيّ يا قيوم! الذين يقومون بدينك ويُعِزّون أولياءك، اللّٰهم انصرهم في كل مكان يا ذا الجلال والإكرام! اللّٰهم هَيِّئْ لأمة الإسلام من أمرها رشدًا، اللّٰهم أَدِم الأمن والاستقرار، اللّٰهم احفظنا من الفتن، اللّٰهم احفظنا والمسلمين من مُضِلاّت الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللّٰهم اكْفِنا شرَّ أعدائنا وأعدائك برحمتك وكرمك وقوتك وقدرتك يا قويّ يا عزيز! اللهم اكفِ المسلمين شرور أعدائهم اللّٰهم اجعل المسلمين متحابين وإخوة متعاونين متوادّين منصورين، اللهم أذهب عنهم الفتن والمِحن يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا ذا الجلال والإكرام! اللّٰهم وفقنا لما تحب وترضى، اللّٰهم وفّق إخواننا الحاضرين في هذا المسجد والمتابعين له، اللّٰهم اجعله هذا من الرباط في سبيلك، واجعل أعمالهم في موازينك، واجز القائمين على هذا الجامع وعلى هذه الجامعة خير الجزاء على ما قدّموا ويقدمون للإسلام والمسلمين، وعلى ما تعِبوا في أداء هذه المهمّة العظيمة، اللّٰهم فاجعل ذلك في موازين حسناتهم وصحائف أعمالهم، اللّٰهم وفقنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصينا بالبرّ والتقوى، «وأعطنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنـا عذابَ النار» وآخر دعوانا عن الحمد لله رب العالمين. * * * http://www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/tmp/1309666389fix8sub3file.htm ![]()
Hadhrat Maulana Izaz Ali He was one of the most distinguished graduates of Darul Uloom. After his graduation from it in A H 1321, Hadhrat Shaikhul Hind selected him for Madrasah Naumania Pureni, District Bhagalpur (Bihar). Accord¬ingly, he taught there for nearly seven years. Then he came to Shahjahanpur and established a Madrasah under the name 'Afzalul Madaris' in a mosque where he taught for the sake of Allah (i.e. without charging any fees or taking any remuneration). For nearly three years he taught very successfully in this Madrasah. In A H. 1330 he was appointed as a teacher in Darul Uloom Deoband, and in the first year he was assigned elementary books of Arabic like 'Ilmus Sigha, Nurul ¬Ezah, etc. In the report for that period it has been stated about this Professor of Literature as under: ¬ "He (Maulawi Izaz Ali) has been a teacher at some places. He is a young, talented, righteous and pious scholar. In complexion and character he is a relic of his ancestors. He has complete proficiency in different sciences and great expertise particularly in the science of literature. He teaches in the middle classes of Darul Uloom. He handles most of the lessons of the science of literature. He also exercises the students in writing Arabic articles. He is an eloquent lecturer; the students are very familiar with him".
In A H 1340, when Maulana Hafiz Muhammad Ahmed, vice-chancellor of Darul Uloom Deoband, was selected for the post of the Chief Mufti of the erstwhile Hyderabad State, so he on account of his old age, took Maulana Izaz Ali with him. There he stayed one year and came back with Hafiz Sahib to Deoband. In the vacancy of the Chief Mufti Maulana Azizur Rahman, he was appointed as Chief Mufti of Darul Uloom Deoband, on which post he stayed in Darul Uloom till his demise. Religious jurisprudence (Fiqh) and literature were his special fields. Initially when he came to Darul Uloom Deoband, he had been assigned elementary books of Arabic, but at last his teaching attained such popularity that he became famous by the title of "Shaikhul Adab wal-Fiqh" (Professor of Literature & Jurisprudence). In the last phase of his life he also taught for several years the second volume of the Tirmizi and also higher books of Tafsir. In Maulana Hussain Ahmad Madani's absence, he also had several times the chance of teaching the Bukhari Sharif also. Along with teaching he had also had a special penchant for training and looking after the students; a quality from which the students benefited very. His punctuality was proverbial and in his punctual engagement of his classes he was sui generis. From the very inception of teaching till his last breath he was meticulously punctual in his work. He was a paragon of selflessness and humility. He would never feel ashamed of teaching the most elementary books along with the highest books; teaching Tirmizi and Bukhari (to higher classes), he would gladly teach Mizanus Sarf, Ilmus Sigha, Nurul Ezah, etc. to small children also. The most beloved student in his eyes would be one who devoted himself to studies with singleness of purpose and the most hated would be one who engaging in pastimes, showed carelessness in studies, though such a student be his own son. Even as this professor of literature had great mastery in writing Arabic prose and poetry, he was equally highly proficient in composing Urdu prose and poetry also. He had a special style in Urdu prose. Though his hand was not quite legible, the style of writing was such that it looked pleasing to the eye. In Arabic literature, he had compiled a book entitled Nafahatul Arab comprising historical anecdotes, fables and moral themes. This book became very popular in Arabic schools and as such was included in the syllabi of Darul Uloom and many other Madrasas. Besides this, he has written many useful notes on many books of Fiqh and Arabic Literature, which are highly appreciated in the circle of scholars. His ability in administrative matters too was acknowledged on all hands and his administrative know-how was often utilized in the manage¬ment office also. In short, he was an incomparable teacher, an erudite religious divine and a versatile personality. The period of his academic services in Darul Uloom extended over 44 years. He was entrusted with the post of Ifta twice: first time from 1347 to 1348, and second time from 1364 to 1366. During his period, 24,855 fatwas were written. He passed away in 1374 (1955). (History of Darul Uloom Deoband by Mahboob Rizwi) Hadhrat Maulana Mufti Azizur Rahman was born in A H 1275 (1859). His father was Maulana Fazlur Rahman. In late A H 1284 when the class for reading the Holy Quran was started in Darul Uloom, he was admitted to this class for memorizing the Quran. In A H 1287 he memorized the entire Quran. The teacher of his class was Hafiz Namdar Khan. In A H 1295 he graduated from Darul Uloom. The teachers of Darul Uloom then were Hadhrat Maulana Muhammad Yaqub Nanautawi, Hadhrat Maulana Syed Ahmed Dehlawi, Hadhrat Shaikhul Hind and Maulana Abdul Ali (Allah's mercy be on all of them!). In the commencement function (Jalsa Dastar Bandi) of A H. 1298, he was awarded the Sanad at the hands of Hadhrat Maulana Rasheed Ahmed Gangohi.
After graduation he worked for some time as an assistant teacher in Darul Uloom, rendering at the same time the services of fatwa-writing under the supervision of the principal, Maulana Muhammad Yaqub. Then he was sent to Meerut, where, at Madrasah Islamia, Inderkot, he remained engaged in teaching for several years. In A H 1309 the elders of Darul Uloom selected him for the post of the pro-vice-chancellor, and after one year he was also appointed as mufti and teacher. Apart from writing fatwas he was assigned to take some classes of Hadith, Tafsir and Fiqh. Mufti Sahib used to write the answers to very important and vexed questions (istifta) off-hand and spontaneously. For nearly forty years he rendered this great service of writing fatwas in Darul Ifta on behalf of Darul Uloom. In this long period, he wrote many difficult fatwas, which are not, merely fatwas but are of the nature of judgment in controversial cases. Even during journeys, he used to write fatwas informally through sheer acumen, expertise and ability. The explicit texts of Fiqh he mostly remembered by heart. A great peculiarity of his fatwas is that they are easily intelligible; the language of the fatwas is easy and fluent, a feature which is not to be found in the fatwas of this era. Among the religio-Iegal sciences, fatwa-writing is a very difficult task. The knowledgeable alone can appreciate the delicate points that crop up in this task due to change of circumstances. Ordinarily, fatwas have been written in every period but the consummate expertise possessed by Mufti Sahib has been shared by very few Ulama of Deoband. It is regrettable that the record of those fatwas Mufti Sahib had written between 1310 and 1329 is not extant. A great peculiarity of his fatwa-writing was also this that he never overlooked the zeitgeist and the demands of the time of which he used to have a profound knowledge. If there could be two decidable aspects of a proposition (mas'ala), he would on such occasions always adopt the easy aspect and issue the fatwa on it only, never adopting that aspect which would create difficulties for the masses. Examples of this feature are present everywhere in his fatwas. The fatwas issued between A H 1330 and A H 1346 number 37,561. But among these also the record of some years has been lost. The afore¬said number is that of the recorded fatwas only. According to a cursory estimate of Maulana Muhammad Tayyib, vice-chancellor, Darul Uloom Deoband, the number of Mufti Sahib's fatwas comes to the huge figure of nearly 1,18,000. This prodigious output and achievement of Mufti Sahib is a great and glorious religious service. This characteristic feature of his fatwas also commands a great importance that, in and outside India, these fatwas were being considered decisive. The fatwas written between A H 1330 to A H 1346, arranged in jurisprudential order, are being published by Darul Uloom under the title Fatawa Darul Uloom Deoband. 12 volumes of which have been published so far. Mufti Sahib was not only a religious divine and mufti but also a Sufi and one of the great masters of the esoteric science. He was awarded Khilafah by Hazrat Maulana Rafiuddin Sahib. The practice of accepting allegiance and giving spiritual guidance was also a part of his life. Thousands of Muslims benefited from him and rectified their inner selves. Mufti Sahib had also resigned from Darul Uloom along with Hadhrat Anwar Shah Kashmiri. In 1347 when he was returning ed to Deoband, en route he was feeling indisposed. Treatment began when he reached Deoband but the condition did not improve. The "promised hour" had come. At last, on the night of 17th Jamadius-Sani, A H 1347 (1928), he expired. He was laid to rest in the graveyard of the Darul Uloom. He was a high-ranking personality amongst the matchless personalities possessing knowledge and practice, good morals and habits, gnosis and insight, and jurisprudential knowledge and understanding, appointed to grace the Darul Ifta of Darul Uloom Deoband. (History of Darul Uloom Deoband by Mahboob Rizwi) |
Categories
All
Archives
October 2023
|